فصل: أوَّلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الخَامِس بعد الثَّمَانِينَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رَمَى بالأحجار، وَقَالَ: بِمثل هَذَا فارموا».
هُوَ كَمَا قَالَ، فَفِي صَحِيح مُسلم عَن الْفضل بن عَبَّاس، وَكَانَ رَدِيف رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَنه قَالَ فِي عَشَّيةِ عَرَفَة وغداة جمْع للنَّاس حِين دفعُوا: عَلَيْكُم بِالسَّكِينَةِ. وَهُوَ كَاف نَاقَته حَتَّى دخل محسرًا، وَهُوَ من منى قَالَ: عَلَيْكُم بحصى الْخذف الَّذِي يُرْمَى بِهِ الْجَمْرَة». وَرَوَاهُ أَبُو ذَر الهرويُّ بإسنادٍ حسنٍ كَمَا قَالَه صَاحب الإِمام، وَلَفظه: عَن الْفضل قَالَ: «كنت رَدِيف رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم النَّحْر فَقَالَ: القط لي حَصَيَات. فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَات هن قدر الْخذف، فَقَالَ بِهِنَّ فِي يَده: بأمثالِ هَؤُلَاءِ، وَإِيَّاكُم والغُلُو فِي الدِّين؛ فَإِنَّمَا أَهْلَك مَنْ كَانَ قبلكُمْ الغلو فِي الدَّين». وَفِي سنَن النَّسَائِيّ وسنَن ابْن مَاجَه وصحيحي ابْن حبَان وَالْحَاكِم من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «قَالَ لي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم غَدَاة الْعقبَة وَهُوَ عَلَى رَاحِلَته: هاتِ- القط- لي فلقطت لَهُ حَصَيَات مثل حَصى الْخذف، فلمَّا وضعتهم فِي يَده قَالَ: بأمْثال هَؤُلَاءِ، وَإِيَّاكُم والغلو فِي الدَّين، فَإِنَّمَا هلك مَنْ كَانَ قبلكُمْ بالغلو فِي الدَّين». قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَرَوَاهُ ابْن حبَان أَيْضا، وَالطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن أَخِيه الْفضل بن عَبَّاس، ثمَّ قَالَ الطَّبَرَانِيّ: رَوَاهُ جمَاعَة عَن عَوْف مِنْهُم سُفْيَان الثَّوْريّ، فَلم يقل مِنْهُم أحد: عَن ابْن عَبَّاس عَن أَخِيه إِلَّا جَعْفَر بن سُلَيْمَان، وَلَا رَوَاهُ عَنهُ إِلَّا عبد الرَّزَّاق.
قلت: قد أخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي الزبير، عَن أبي معبد، عَن ابْن عَبَّاس، عَن الْفضل بن عَبَّاس: «أَنه كَانَ رَدِيف رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَوقف يهلل وَيكبر وَيَدْعُو فَلَمَّا دفع النَّاس صَاح: عليكمُ السكينةَ. فلمَّا بلغ الشِّعْبَ أهْرَاقَ الماءَ، وَتَوَضَّأ ثمَّ ركب، فَلَمَّا قدم الْمزْدَلِفَة جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء، فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْح وقف، فلمَّا نَفَرَ دَفَعَ النَّاس، فَقَالَ حِين دفعُوا: عَلَيْكُم السكينَة. وَهُوَ كافّ راحلتَهُ، حَتَّى إِذا دخل بطن منى، قَالَ: عَلَيْكُم بحصى الْخذف أَن يُرْمَى بِهِ الْجَمْرَة. وَهُوَ فِي ذَلِك يُهلل، حَتَّى رَمَى الْجَمْرَة». وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي تَرْجَمَة الْفضل بِنَحْوِهِ، ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَفِي مُسْند أَحْمد: نَا عَفَّان، نَا وُهَيْب، نَا عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة، عَن يَحْيَى بن هِنْد أَنه سمع حَرْمَلَة بن عَمْرو قَالَ: «حججْت حجَّة الْوَدَاع مُرْدِفي عمي سِنَان بن سَنَّة، فَلَمَّا وقفنا بِعَرَفَات رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاضِعا إِحْدَى أصبعيه عَلَى الْأُخْرَى؛ فَقلت لعمِّي: مَاذَا يَقُول رَسُول الله؟ قَالَ: يَقُول: ارموا الْجَمْرَة بِمثل حَصى الْخذف». وَفِي سنَن أبي دَاوُد من حَدِيث سُلَيْمَان بن عَمْرو بن الْأَحْوَص عَن أمه مَرْفُوعا: «يَا أَيهَا النَّاس، لَا يقتل بَعْضكُم بَعْضًا، وَإِذا رميتم الْجَمْرَة فارموا بِمثل حَصى الْخذف». وَإِسْنَاده جيد كَمَا قَرّرته فِي تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب، وَفِيه غير ذَلِك من الْأَحَادِيث.
فَائِدَة: الْخذف: بِالْخَاءِ والذال المعجمتين.

.الحديث السَّادِس بعد الثَّمَانِينَ:

أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ: «عَلَيْكُم بحصى الْخذف».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا عَرفته آنِفا، قَالَ الرَّافِعِيّ قبل هَذَا بِوَرَقَة: وَجُمْلَة مَا يُرْمَى فِي الْحَج سَبْعُونَ حَصَاة، يَرْمِي إِلَى جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر سبع حَصَيَات، وَإِحْدَى وَعشْرين فِي كل يَوْم من أَيَّام التَّشْرِيق إِلَى الجمرات الثَّلَاث، إِلَى كل وَاحِدَة سبع، تَوَاتر النَّقْل بِهِ قولا وفعلاً. هَذَا لَفظه، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَالْأَحَادِيث مَشْهُورَة بذلك.

.الحديث السَّابِع بعد الثَّمَانِينَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رَمَى الحصيات فِي سبع رميات، وَقَالَ: خُذُوا عني مَنَاسِككُم».
هَذَا الحَدِيث كُله صَحِيح، أما الأول: فَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث جَابر: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَتَى الْجَمْرَة الَّتِي عِنْد الشَّجَرَة- يَعْنِي: جَمْرَة الْعقبَة- فَرَمَاهَا بِسبع حَصَيَات، يكبر مَعَ كل حَصَاة». وَسَيَأْتِي بعده من حَدِيث ابْن عمر أَيْضا. وَأما الثَّانِي: وَهُوَ قَوْله: «خُذُوا عني مَنَاسِككُم» فسلف غير مرّة.

.الحديث الثَّامِن بعد الثَّمَانِينَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رَتَّبَ بَين الجمرات الثَّلَاث، وَقَالَ: خُذُوا عني مَنَاسِككُم».
هُوَ كَمَا قَالَ، فَفِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن سَالم بن عبد الله: «أَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَة الدُّنْيَا بِسبع حَصَيَات، يكبر مَعَ كل حَصَاة، ثمَّ يتَقَدَّم فيُسْهِل فَيقوم مُسْتَقْبل الْقبْلَة طَويلا، وَيَدْعُو وَيرْفَع يَدَيْهِ، ثمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى، ثمَّ يَأْخُذ ذَات الشمَال، فيسهل فَيقوم مُسْتَقْبل الْقبْلَة، ثمَّ يَدْعُو وَيرْفَع يَدَيْهِ، وَيقوم طَويلا، ثمَّ يَرْمِي الْجَمْرَة ذَات الْعقبَة من بطن الْوَادي وَلَا يقف عِنْدهَا، ثمَّ ينْصَرف وَيَقُول: هَكَذَا رأيتُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَفْعَله» وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن الزُّهْرِيّ «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رَمَى الْجَمْرَة الَّتِي تلِي المنحر وَمَسْجِد منى رَمَاهَا بِسبع حصياتٍ، يكبر كلما رَمَى بحصاةٍ، ثمَّ تقدَّم أمامها فَوقف مُسْتَقْبل الْقبْلَة رَافعا يَدَيْهِ يَدْعُو ويطيل الْوُقُوف، ثمَّ يَأْتِي الْجَمْرَة الثَّانِيَة فيرميها بِسبع حَصَيَات يكبر كلما رَمَى بحصاة، ثمَّ ينحرف ذَات الشمَال فيقف مُسْتَقْبل الْقبْلَة رَافعا يَدَيْهِ يَدْعُو ثمَّ يَرْمِي الْجَمْرَة الَّتِي عِنْد الْعقبَة فيرميها بِسبع حَصَيَات وَلَا يقف عِنْدهَا» قَالَ الزُّهْرِيّ: سمعتُ سالما يحدِّث بِهَذَا الحَدِيث عَن أَبِيه عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ ابْن عمر يَفْعَله. وَرَوَى النسائيُّ وَالْحَاكِم هَذِه الرِّوَايَة، وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. وَقد عرفت أَنه فِي البُخَارِيّ؛ فَيكون الِاسْتِدْرَاك عَلَى مُسلم فَقَط، وَفِي مُسْند أَحْمد وسنَن أبي دَاوُد ومُسْتَدْرك الْحَاكِم من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «أَفَاضَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من آخر يَوْمه يَوْم النَّحْر حِين صلَّى الظهرَ، ثمَّ رَجَعَ إِلَى منى فَمَكثَ بهَا ليَالِي أيامِ التَّشْرِيق، يَرْمِي الجمرةَ إِذا زَالَت الشَّمْس، كل جَمْرَة بِسبع حصياتٍ، يكبِّر مَعَ كل حَصَاة، وَيقف عِنْد الأولَى وَالثَّانيَِة ويتضرع وَيَرْمِي الثَّالِثَة وَلَا يقف عِنْدهَا». قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. أَي: فِي ابْن إِسْحَاق مُتَابعَة لَا اسْتِقْلَالا، لكنه عنعن، نعم صرَّح بِالتَّحْدِيثِ فِي صَحِيح ابْن حبَان وَفِيه: «يقف عِنْد الأولَى وَعند الْوُسْطَى بِبَطن الوداي، فيطيل الْقيام، وينصرف إِذا رَمَى الْكُبْرَى، وَلَا يقف عِنْدهَا، وَكَانَت الجِمَارُ من آثَار أَمر مُحَمَّد صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ» وَأما قَوْله: وَقَالَ: «خُذُوا عني مَنَاسِككُم» فسلف غير مرةٍ.

.الحديث التَّاسِع بعد الثَّمَانِينَ:

قَالَ الرَّافِعِيّ: «والسُّنة أَن يرفع الْيَد عِنْد الرَّمْي، فَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ، وَأَن يَرْمِي أَيَّام التَّشْرِيق مُسْتَقْبل الْقبْلَة، وَفِي يَوْم النَّحْر مستدبرها». كَذَلِك ورد فِي الْخَبَر.
هُوَ كَمَا قَالَ، أما رفع الْيَد فقد سلف من حَدِيث ابْن عمر، وَأما رمي أَيَّام التَّشْرِيق مُسْتَقْبل الْقبْلَة فسلف من حَدِيثه أَيْضا. وَأما رمي يَوْم النَّحْر فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنه انْتَهَى إِلَى الْجَمْرَة الْكُبْرَى، فَجعل الْبَيْت عَن يسَاره وَمنى عَن يَمِينه، وَرَمَى بِسبع وَقَالَ: هَكَذَا رَمَى الَّذِي أنزلت عَلَيْهِ سُورَة الْبَقَرَة» وَلمُسلم فِي رِوَايَة: «جَمْرَة الْعقبَة» وَلأَحْمَد فِي رِوَايَة «أَنه انْتَهَى إِلَى جَمْرَة الْعقبَة فَرَمَاهَا من بطن الْوَادي...» وَذكر الحَدِيث، وَرَوَى أَبُو معمر، عَن عَاصِم بن سُلَيْمَان، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر: «رَأَيْت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رَمَى الجمرةَ يَوْم النَّحْر وظهره مِمَّا يَلِي مَكَّة». وَعَاصِم هَذَا قَالَ ابْن عدي: يعد مِمَّن يضع الحَدِيث.

.الحديث التِّسْعُونَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صلَّى الظّهْر وَالْعصر، وَالْمغْرب وَالْعشَاء بالبطحاء، ثمَّ هجع بهَا هجعة، ثمَّ دخل مَكَّة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه من حَدِيث نَافِع: «أَن ابْن عمر كَانَ يُصَلِّي بهَا- يَعْنِي: المحصب- الظّهْر وَالْعصر». أَحْسبهُ قَالَ: «وَالْمغْرب» قَالَ خَالِد بن الْحَارِث- أحد رُوَاته-: لَا أَشك فِي الْعشَاء ويهجع هجعة. وَيذكر ذَلِك عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. ورَوَاهُ مُسلم عَن نَافِع: «أَن ابْن عمر كَانَ يَرْمِي التحصيب سنة، وَكَانَ يُصَلِّي الظّهْر يَوْم النَّفر بالحصبة، وَقَالَ نَافِع: قد حصب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْخُلَفَاء بعده». وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث أنس بن مَالك: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى الظّهْر وَالْعصر، وَالْمغْرب وَالْعشَاء، ثمَّ رقد رقدة بالمحصب» وَقَالَ نَافِع: «قد حصب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صلَّى الظهرَ والعصرَ، والمغربَ والعشاءَ، ثمَّ رقد رقدةً بالمحصب، ثمَّ ركب إِلَى الْبَيْت فَطَافَ بِهِ».

.الحديث الحَادِي بعد التسعين:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّهَا قَالَت: «نزل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم المحصب وَلَيْسَ بسُنَّة، فَمن شَاءَ نزله، وَمن شَاءَ فليتركه».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث عُرْوَة عَن عَائِشَة: «أَنَّهَا لم تكن تفعل ذَلِك- يَعْنِي: تنزل الأبطحَ- وَقَالَت: إِنَّمَا نزله رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَنْزِلاً أسمح لِخُرُوجِهِ». وللطبراني فِي أكبر معاجمه: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا انْتظر بِهِ عَائِشَة حَتَّى تَأتي». وَلمُسلم عَنْهَا: «نزُول الأبطح لَيْسَ بسُنَّةٍ» وَله وللْبُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس: «لَيْسَ التحصيب بِشَيْء؛ إِنَّمَا هُوَ منزل نزله رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».
فَائِدَة:
المحصب: اسْم لمَكَان متسع بَين مَكَّة وَمنى، قَالَ صَاحب الْمطَالع وغيرُه: وَهُوَ إِلَى منى أقرب. وَأقرهُ النوويُّ فِي شرح الْمُهَذّب عَلَى ذَلِك، وَاعْترض عَلَيْهِ فِي تهذيبه وَقَالَ: إِنَّه لَيْسَ بِصَحِيح، بل هُوَ بقُرْب مَكَّة. قَالَ صَاحب الْمطَالع: وَيُقَال لَهُ: الأبطح والبطحاء، وَخيف بني كنَانَة. والمحصب أَيْضا: مَوضِع الْجمار من منى. وَلَكِن لَيْسَ مرَادا هُنَا، قَالَ الرَّافِعِيّ وغيرُه: وَسمي بالمحصب لِاجْتِمَاع الْحَصَى فِيهِ يحمل السَّيْل، فَإِنَّهُ مَوضِع منهبط. وَعبارَة البكريِّ فِي مُعْجَمه: المحصب- بِضَم أَوله وَفتح ثَانِيه- مُفعل من الْحَصْبَاء، مَوضِع بِمَكَّة.

.الحديث الثَّانِي بعد التسعين:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لمَّا فرغ من أَعمال الْحَج طَاف للوداع».
هَذَا صَحِيح مَشْهُور، وَقد أخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث أنس كَمَا سلف قَرِيبا.

.الحديث الثَّالِث بعد التسعين:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا يَنْفِرَنَّ أحدُكم حَتَّى يكون آخر عَهده بِالْبَيْتِ، إِلَّا أَنه رخَّص للحائض».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم بِلَفْظ: عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «كَانَ النَّاس يَنْصَرِفُونَ فِي كل وَجه، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يَنْفِرَنَّ أحد حَتَّى يكون آخر عَهده بِالْبَيْتِ». وَرَوَاهُ البُخَارِيّ عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس: «رخص للحائض أَن تنفر إِذا أفاضتْ». قَالَ: وَسمعت ابْنَ عُمر يَقُول: «إِنَّهَا لَا تنفر»، ثمَّ سمعته بعد يَقُول: «إِن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أرخص لَهُنَّ» وَأَخْرَجَا عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «أَمر النَّاس أَن يكون آخر عَهدهم بِالْبَيْتِ، إِلَّا أَنه خفف عَن الْمَرْأَة الْحَائِض». وَفِي صَحِيح ابْن حبَان من حَدِيث ابْن عمر: «من حَجَّ هَذَا الْبَيْت فَلْيَكُن آخر عَهده بِالْبَيْتِ، إِلَّا الحيَّض؛ رخَّص لَهُنَّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم». وَالِاسْتِدْلَال للْوُجُوب بِالْأولِ أَوْلى؛ لِأَن لفظ الْأَمر لَا يدل عَلَى الْإِيجَاب بِخُصُوصِهِ، بل يحْتَمل لَهُ وللندب كَمَا هُوَ مُقَرر فِي الْأُصُول.

.الحديث الرَّابِع بعد التسعين:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا ينصرفن أحد حَتَّى يكون آخر عَهده الطّواف بِالْبَيْتِ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد سقناه أَيْضا من رِوَايَة ابْن عَبَّاس من صَحِيح مُسلم.

.الحديث الخَامِس بعد التسعين:

«أَن صَفِيَّة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها حَاضَت، فأمَرَها رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تَنْصَرِف بِلَا وداع».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها من طرق عَنْهَا.

.الحديث السَّادِس بعد التسعين:

رُوي أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مَنْ زارني بعد موتِي فَكَأَنَّمَا زارني فِي حَياتِي، ومَنْ زار قَبْرِي فَلهُ الجَنَّة». هَذَا الحَدِيث مَأْخُوذ من حديثين:
أَحدهمَا:
من حَدِيث هَارُون أبي قزعة، عَن رجل من آل حَاطِب، عَن حَاطِب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «مَنْ زارني بعد موتِي فَكَأَنَّمَا زارني فِي حَياتِي، ومَنْ مَاتَ فِي أحد الحرمَيْن بُعِثَ من الْآمنينَ يَوْم الْقِيَامَة». أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ كَذَلِك، وَهَذَا الرجل مَجْهُول كَمَا ترَى، وَله طَرِيق ثانٍ من حَدِيث ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «مَنْ حَجَّ فَزَارَ قَبْرِي بعد وفاتي فَكَأَنَّمَا زارني فِي حَياتِي» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث حَفْص بن أبي دَاوُد، عَن لَيْث بن أبي سُليم، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عمر، وَرَوَاهُ ابْن عدي بِلَفْظ: «مَنْ حج فزارني بعد موتِي كَانَ كَمَنْ زارني فِي حَياتِي وصحبني». وَلَيْث هَذَا حسن الحَدِيث، ومَنْ ضعَّفه إِنَّمَا ضعَّفه لاختلاطه بِأخرَة، وَحَفْص هَذَا هُوَ ابْن سُلَيْمَان، قَالَ ابْن عدي: وَأَبُو الرّبيع الزهْرَانِي يُسَمِّيه حفصَ بن أبي دَاوُد لضَعْفه، وَهُوَ حَفْص بن سُلَيْمَان الغَاضِرِيّ الْمُقْرِئ الإِمَام. قَالَ البُخَارِيّ: تَرَكُوهُ وَوَثَّقَهُ وَكِيع، قَالَ أَحْمد: صالحُ. وَفِي رِوَايَة عَنهُ: مَا بِهِ بَأْس وَقَالَ يَحْيَى بن معِين فِي رِوَايَة أَحْمد بن مُحَمَّد الْحَضْرَمِيّ: لَيْسَ بشيءٍ، وَمن أَحَادِيثه: «صنائع الْمَعْرُوف تَقِيّ مصَارِع السوء، وَصدقَة السِّرِّ تطفئُ غضبَ الرَّبِّ». وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ حَفْص، وَهُوَ ضَعِيف. وَرَوَاهُ أَبُو يعْلى الْموصِلِي بِزِيَادَة كثير بْنِ شنظير بَين حَفْص ولَيْث بِلَفْظ: «مَنْ حَجَّ فزارني بعد وفاتي عِنْد قَبْرِي فَكَأَنَّمَا زارني فِي حَياتِي». وكثير هَذَا من رجال الصَّحِيحَيْنِ وإنْ ليَّنَه أَبُو زرْعَة، وصوَّب ابنُ عَسَاكِر الرِّوَايَة الَّتِي بإسقاطه، عَلَى أَن حفصًا هَذَا تَابعه عليُّ بن الْحسن بن هَارُون الْأنْصَارِيّ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أَوسط معاجمه وأكبرها من حَدِيث أَحْمد بن رشدين عَنهُ، عَن اللَّيْث ابْن بنت اللَّيْث بن أبي سليم قَالَ: حَدَّثتنِي جدتي عَائِشَة بنت يُونُس امْرَأَة اللَّيْث، عَن لَيْث بن أبي سليم، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «مَنْ زار قَبْرِي كَانَ كَمَنْ زارني فِي حَياتِي». ووَهِمَ بَعضهم فَجعل حَفْصًا جَعْفَرَ بن سُلَيْمَان الضبعِي، كَمَا نبه عَلَيْهِ ابْنُ عَسَاكِر أَبُو اليُمْن بن أبي الْحسن فِي كِتَابه إتحاف الزائر، قَالَ: وَتفرد بقوله: «وصحبني» الحسنُ بْنُ الطّيب، وَفِيه نظر.
قلت: ورُوي أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ العقيليُّ فِي تَارِيخ الضُّعَفَاء من حَدِيث فضَالة بن سعيد أبي زميل المأربي، عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى المأربي، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «مَنْ زارني فِي مماتي فَكَانَ كَمَنْ زارني فِي حَياتِي، ومَنْ زارني حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى قَبْرِي كنت لَهُ يَوْم الْقِيَامَة شَهِيدا- أَو قَالَ: شَفِيعًا». قَالَ العقيليُّ: فضَالة بن سعيد عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى لَا يُتابع عَلَى حَدِيثه، وَلَا يُعْرف إِلَّا بِهِ. وَفِيه أَيْضا من حَدِيث هَارُون بن قزعة عَن رجل من آل الْخطاب عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مَنْ زارني مُتَعَمدا كَانَ فِي جِوَاري يَوْم الْقِيَامَة». قَالَ البُخَارِيّ: هَارُون مديني، لَا يُتَابع عَلَيْهِ. وأمَّا الحَدِيث الثَّانِي:
«فَهُوَ مَنْ زار قَبْرِي فَلهُ الجَنَّة...» فَرَوَاهُ بِنَحْوِهِ الدَّارَقُطْنِيّ عَن القَاضِي الْمحَامِلِي نَا عبيد الله بن مُحَمَّد الْوراق، ثَنَا مُوسَى بن هِلَال الْعَبْدي، عَن عبيد الله بن عُمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عُمر مَرْفُوعا: «مَنْ زار قَبْرِي وجبتْ لَهُ شَفَاعَتِي» وَهَذَا إِسْنَاد جيد، لَكِن مُوسَى هَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ بعد أَن ذكر أَن جمَاعَة رووا عَنهُ: هُوَ مَجْهُول. وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي مُخْتَصر الْمُخْتَصر عَن: مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الأحمسي، عَن مُوسَى بن هِلَال الْعَبْدي، عَن عبد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر بِهِ، وَقَالَ الْعقيلِيّ: لَا يَصح حَدِيث مُوسَى وَلَا يُتَابع عَلَيْهِ. قَالَ: وَالرِّوَايَة فِي هَذَا الْبَاب فِيهَا لين.
قلت: قد تَابعه عبدُ الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم عَن ابْن عُمر، أخرجه من طَرِيقه الْبَزَّار كَمَا سَتَعْلَمُهُ. وَأما ابْن عدي فَقَالَ: لَهُ غير هَذَا، وَأَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. لَكِن تعقبه ابْنُ الْقطَّان قَالَ: والحقُّ أَنه لم تثبت عَدَالَته. قَالَ: وَفِيه الْعمريّ أَيْضا.
قلت: لَكِن رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ فِيهَا الْعمريّ المصغر وَهُوَ ثِقَة، وَكَذَا أخرجه مِنْ هَذَا الْوَجْه الخطيبُ الحافظُ فِي تَلْخِيص الْمُتَشَابه بِلَفْظ: «مَنْ زراني بعد موتِي وجبتْ لَهُ شَفَاعَتِي». وَذكره عبدُ الْحق فِي أَحْكَامه من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ: رَوَاهُ الْبَزَّار أَيْضا. وَسكت عَلَيْهِ، فَاعْترضَ عَلَيْهِ ابنُ الْقطَّان بِمَا تقدم، وَإسْنَاد الْبَزَّار لَيْسَ فِيهِ مُوسَى هَذَا، وَإِنَّمَا فِيهِ عبد الله بن إِبْرَاهِيم بن أبي عَمْرو الْغِفَارِيّ. قَالَ البزارُّ: حدث بِأَحَادِيث لَا يُتَابع عَلَيْهَا. وعبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم، وَهُوَ ضَعِيف. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من وَجه آخر؛ رَوَاهُ من حَدِيث أبي دَاوُد، نَا سوار بن مَيْمُون أَبُو الجرَّاح الْعَبْدي، حَدثنِي رجل من آل عمر، عَن عُمر قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول:
«مَنْ زار قَبْرِي- أَو قَالَ: من زارني- كنت لَهُ شَفِيعًا أَو شَهِيدا، وَمن مَاتَ فِي أحد الْحَرَمَيْنِ بَعثه الله فِي الْآمنينَ يَوْم الْقِيَامَة». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا إِسْنَاد مَجْهُول. وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: فِي إِسْنَاده نظر. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن سَالم عَن ابْن عُمر مَرْفُوعا: «من جَاءَنِي زَائِرًا لَا تعمله حَاجَة إِلَّا زيارتي كَانَ حقًّا عليَّ أَن أكون لَهُ شَفِيعًا يَوْم الْقِيَامَة». أخرجه عَن عَبْدَانِ بن أَحْمد، نَا عبد الله بن مُحَمَّد الْعَبَّادِيّ الْبَصْرِيّ، ثَنَا مسلمة بن سَالم الْجُهَنِيّ، ثَنَا عبيد الله بن عُمر بِهِ، وَعَزاهُ الضياءُ فِي أَحْكَامه إِلَى رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ بِلَفْظ: «من جَاءَنِي زَائِرًا لَا يَنْزعهُ غير زيارتي، كَانَ حقًّا عَلَى الله أَن أكون لَهُ شَفِيعًا يَوْم الْقِيَامَة» ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ من رِوَايَة عَبْد الله بن عمر الْعمريّ. قَالَ الإِمَام أَحْمد: لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَالَّذِي رَأَيْته فِي الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير: عُبَيْدَ الله بِالتَّصْغِيرِ كَمَا أسلفْتُه، فَلَعَلَّهُ فِي غير المعجم الْكَبِير وَذكره ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح المأثورة بِلَفْظ: «مَنْ جَاءَنِي زَائِرًا لَا تنزعه حَاجَة إِلَّا زيارتي كَانَ حقًّا عليَّ أَن أكون لَهُ شَفِيعًا يَوْم الْقِيَامَة» وصدَّرَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه لاستحباب زِيَارَة قَبره- عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام- بِحَدِيث أَبَى هُرَيْرَة الْمَرْفُوع: «مَا مِنْ أحد يُسلِّم عليَّ: إِلَّا ردَّ اللَّهُ عليَّ روحي حَتَّى أردَّ عَلَيْهِ السَّلَام». ورَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه بِإِسْنَاد جيدٍ، ثمَّ أردفه بِحَدِيث ابْن عمر السالف.
وَمن ضَعِيف الْبَاب: حَدِيث «مَنْ حَجَّ وَلم يَزُرْني فقد جفاني» رَوَاهُ الخطيبُ فِي كتاب مَنْ رَوَى عَن مَالك من حَدِيث مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا، وقَالَ: تفرد بِهِ النُّعْمَان بن شبْل عَن مَالك.
هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله ومنِّه وَذكر فِيهِ قبل حَدِيث الزِّيَارَة: أَنه يسْتَحبّ الشّرْب من مَاء زَمْزَم، وَلم يسْتَدلّ لَهُ، وَرَأَيْت أَن أتبرع بِهِ فَأَقُول: هُوَ حَدِيث مَشْهُور، وَله طَرِيقَانِ:
أَحدهمَا:
من رِوَايَة عبد الله بن المؤمل، عَن أبي الزبير، عَن جَابر رَفَعَهُ: «ماءُ زَمْزَم لِمَا شُربَ لَهُ». رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده، وابنُ أبي شيبَة فِي مُصَنفه، وابنُ مَاجَه والبيهقيُّ فِي سنَنَيْهِمَا، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ عبد الله بن المؤمل.
قلت: لَا، بل تَابعه إبراهيمُ بن طهْمَان، عَن أبي الزبير، عَن جَابر مَرْفُوعا بِهِ، كَذَا أوردهُ الْبَيْهَقِيّ نَفسه فِي سنَنه فِيمَا بعد، فِي بَاب الرُّخْصَة فِي الْخُرُوج بِمَاء زَمْزَم. وتَبِعَ فِي الْعبارَة الأولَى العقيليَّ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: رَوَاهُ عبد الله بن المؤمل، وَلَا يُتابع عَلَيْهِ. وَكَذَا ابْن حبَان فَإِنَّهُ قَالَ ذَلِك فِي تَرْجَمته، وَخَالف الْمُنْذِرِيّ فَقَالَ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب: إِنَّه حَدِيث حسن، أخرجه ابنُ مَاجَه. وأَعَلَّهُ ابْن الْقطَّان بِأبي الزبير عَن جَابر، وَقَالَ: تَدْلِيس أبي الزبير مَعْلُوم.
قلت: قد صرّح بِالتَّحْدِيثِ فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه وَكَذَا الْبَيْهَقِيّ فِي بَاب الرُّخْصَة فِي الْخُرُوج بِمَاء زَمْزَم.
قلت: وَله طَرِيق آخر عَن جَابر، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان من حَدِيث سُوَيْد بن سعيد، عَن ابْن الْمُبَارك، عَن ابْن أبي الموال، عَن ابْن الْمُنْكَدر، عَن جَابر مَرْفُوعا، ثمَّ قَالَ: غَرِيب من حَدِيث ابْن أبي الموال، تفرد بِهِ سُوَيْد بن سعيد، عَن ابْن الْمُبَارك، وَرَوَى الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ بِسَنَدِهِ إِلَى سُوَيْد بن سعيد قَالَ: «رَأَيْت عبد الله بن الْمُبَارك أَتَى زَمْزَم، فاستقى مِنْهُ شربةً، واستقبل الْقبْلَة». وَقَالَ ابْن أبي الموال: حُدِّثنا عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مَاء زَمْزَم لِمَا شُرِب لَهُ. وَهَذَا أشربه لعطش الْقِيَامَة، ثمَّ شربه». قَالَ النَّوَوِيّ فِي طبقاته: ابْن أبي الموال صَدُوق عِنْدهم، واسْمه عبد الرَّحْمَن.
قلت: وَذكره الشَّيْخ شرف الدَّين الدمياطي أَيْضا من حَدِيث سُوَيْد بن سعيد أَيْضا قَالَ: «رَأَيْت عبد الله بن الْمُبَارك بِمَكَّة أَتَى مَاء زَمْزَم فاستقى مِنْهُ شربةً، ثمَّ اسْتقْبل الْكَعْبَة، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن ابْن أبي الموال نَا عَن مُحَمَّد...» فَذكره بِهِ سَوَاء، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث عَلَى رَسْمِ الصَّحِيح، فَإِن عبد الرَّحْمَن بن أبي الموال انْفَرد بِهِ البخاريُّ، وسُويد بن سعيد انْفَرد بِهِ مُسلم.
قلت: لكِنهمْ تكلمُوا فِيهِ.
الطَّرِيق الثَّانِي:
من حَدِيث مُحَمَّد بن حبيب الجارودي، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن ابْن أبي نجيح، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ، فَإِن شربته تستشفي شفاكَ الله، وَإِن شربته مستعيذًا أَعَاذَك الله، وَإِن شربته لتقطع ظمأك قطعه». قَالَ: وَكَانَ ابْن عَبَّاس إِذا شرب مَاء زَمْزَم قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك علما نَافِعًا، وَرِزْقًا وَاسِعًا، وشفاءً من كل دَاء». رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَهَذَا لَفظه، وَلَفظ الدارقطني مثله إِلَى قَوْله: «قَطَعَه»، وَزَاد: «وَهِي هَزْمة جِبْرِيل، وسقيا الله عَزَّ وَجَلَّ إِسْمَاعِيل» وأبدل قَوْله: «وَإِن شربته مستعيذًا أَعَاذَك الله» بقوله: «وَإِن شربته مستشبعًا أشبعك الله». قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد إِن سَلِمَ من مُحَمَّد بن حبيب الجارودي.
قلت: قد سَلِمَ مِنْهُ؛ قَالَ ابْن الْقطَّان فِي علله: مُحَمَّد هَذَا قَدِمَ بغدادَ وحدَّث بهَا، وَكَانَ صَدُوقًا، لَكِن الرَّاوِي عَنهُ لَا يُعْرف حَاله وَهُوَ مُحَمَّد بن هِشَام بن عَلّي الْمروزِي.
قلت: لَكِن ظَاهر كَلَام الْحَاكِم يدل عَلَى أَنه يعرف حَاله إِذْ لم يتَوَقَّف إِلَّا عَن الجارودي فَقَط. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَن عمر بن الْحسن الْأُشْنَانِي القَاضِي صَاحب ذَاك الْمجْلس، وَضَعفه الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْحسن بن أَحْمد الْخلال، ويُرْوى عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه كَذَّاب، وَلم يَصح هَذَا، وَلَكِن هَذَا الْأُشْنَانِي صَاحب بلايا، من ذَلِك هَذَا الحَدِيث. ثمَّ سَاقه، وقَالَ: ابْن حبيب صَدُوق، فآفتُه هُوَ. قَالَ: فَلَقد أَثِمَ الدَّارَقُطْنِيّ بسكوته عَنهُ، فَإِنَّهُ بِهَذَا الْإِسْنَاد بَاطِل، مَا رَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة قطّ بل الْمَعْرُوف حَدِيث جَابر. وَفِي الأذكياء لِابْنِ الْجَوْزِيّ: عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث: «مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ» فَقَالَ: حَدِيث صَحِيح. وصحَّ فِي زَمْزَم: «إِنَّهَا مباركة، إِنَّهَا طعامُ طعم» أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه، زَاد أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنده: «وشفاء سقم».

.وَأما آثَار الْبَاب:

فستة:

.أوَّلها:

قَالَ الرَّافِعِيّ بعد أَن ذكر أَن من السّنَن إِذا وَقع بَصَرُهُ عَلَى الْبَيْت أَن يَقُول: «اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْت...» إِلَى آخِره، وَيسْتَحب أَن يضيف إِلَيْهِ: «اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام، ومنك السَّلَام فَحَيِّنَا ربّنَا بِالسَّلَامِ» يُرْوى ذَلِك عَن عُمر. وَفِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ: عَن ابْن عمر، وَالصَّوَاب: عَن عمر. كَذَلِك رَوَاهُ الْحَاكِم عَن الْأَصَم، ثَنَا الْعَبَّاس بن مُحَمَّد، نَا يَحْيَى بن معِين، نَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، نَا إِبْرَاهِيم بن طريف، عَن حميد بن يَعْقُوب، سمع سعيد بن الْمسيب يَقُول: سَمِعت من عُمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يَقُول كلمة مَا بَقِي أحد من النَّاس سَمعهَا غَيْرِي، سمعته يَقُول إِذا رَأَى الْبَيْت: «اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام، ومنك السَّلَام، فحينا رَبنَا بِالسَّلَامِ». قَالَ الْعَبَّاس: قلت ليحيى- يَعْنِي ابْن معِين-: من إِبْرَاهِيم بن طريف هَذَا؟ قَالَ: يماني. قلت: فَمن حميد بن يَعْقُوب هَذَا؟ قَالَ: رَوَى عَنهُ يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ كَذَلِك، وَهُوَ شَاهد لسَمَاع سعيد من عمر. كَمَا قَالَ صَاحب الإِمام وَأما الْمُنْذِرِيّ فَقَالَ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب عقبه: فِي سَماع سعيد من عمر نظر.
قلت: ورَوَاهُ عَن سعيد ابْنُه مُحَمَّد، ذكره ابْنُ الْمُغلس الظَّاهِرِيّ فِي كِتَابه، قَالَ: وَقد ذكر هشيم، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن مُحَمَّد بن سعيد بن الْمسيب، عَن أَبِيه: «أَن عمر كَانَ إِذا نظر إِلَى الْبَيْت قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام، ومنك السَّلَام، حَيِّنَا رَبنَا بِالسَّلَامِ». وَرَوَى أَيْضا من حَدِيث سعيد بِإِسْقَاط عمر، رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، نَا أَبُو الْأَحْوَص، أَنا يَحْيَى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: «كَانَ أبي إِذا دخل الْمَسْجِد اسْتقْبل القِبْلة ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام، ومنك السَّلَام، فحينا رَبنَا بِالسَّلَامِ». قَالَ: ونا سُفْيَان، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن ابْن سعيد، عَن أَبِيه «أَنه كَانَ إِذا نظر إِلَى الْبَيْت قَالَ...» فَذكر مثله، وَلَا مُنَافَاة بَين هَذَا وَبَين مَا سلف، قَالَ الرَّافِعِيّ: ويؤثر أَن يَقُول: «اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نحل عقدَة ونشدّ أُخْرَى...» إِلَى آخِره. وَهَذَا شَيْء ذكره الشَّافِعِي حِكَايَة عَن بعض السّلف؛ فَقَالَ: وَقد كَانَ بعض من مَضَى من أهل الْعلم يتَكَلَّم بِكَلَام عِنْد رُؤْيَة الْبَيْت، وَرُبمَا تكلم بِهِ عَلَى الصَّفَا والمروة، ويَقُول: «مَا زلنا نحل عقدَة...» فَذكر نَحْوَهُ.